من أهم مميزات المترجم الناجح الأمانة والدقة، الأمانة في نقل النص الأصلي للنص الأجنبي، والدقة في الترجمة، حيث يحرص كل مترجم على إنتاج عمل بلا أخطاء مما يتطلب منه مراجعته عدة مرات قبل الإرسال للعميل. ولكننا بشر، والخطا وارد، وقد يحدث في بعض الأحيان أن يكتشف المترجم خطأ ما بعد إرسال الترجمة للعميل. وهنا يجد المترجم نفسه في موقف لا يحسد عليه. فقد أنهى المترجم عمله بالفعل وسلمه للعميل وقد يكون تقاضى أجره عليه أيضا، ثم يكتشف ذلك الخطأ. فماذا يفعل في هذه الحالة؟
أخطاء المترجم وتحسيناته:
وقبل التحدث عما يجب أن يفعله المترجم في حالة اكتشاف خطأ ما في عمله بعد تسليمه، علي أولًا التوضيح أنني هنا في مقالي أتحدث عن الأخطاء ولا أتحدث عن التحسينات أو التفضيلات بين المعاني. فهناك فرق كبير بين الخطأ والتحسين. فالخطأ في الترجمة قد يؤدي إلى سوء الفهم أو تحريف المعنى وتغيير جوهر الرسالة المراد إيصالها. أما التحسين فهي لزيادة جودة الترجمة بتعديل الصياغة أو استخدام كلمات ومعاني أقوى من المستخدمة بالفعل.
وبالطبع فإن أثر الخطأ يختلف كليا عن أثر التحسين. وحتى الأخطاء فهي ليست على درجة واحدة من الجسامة، فهناك خطأ جوهري جسيم يؤثر في الترجمة من حيث فهم المعنى ونقل المعلومة، وهناك أخطاء أخرى هينة نوعا ما ولا تؤثر تأثيرا مباشرا في العمل. وهنا كلامنا عن الأخطاء الجسيمة التي تؤثر في المعنى وتغير الرسالة المطلوب إيصالها من الترجمة.
موقف المترجم من الخطأ:
إذن، ماذا يفعل المترجم في حال اكتشاف خطأ حقيقي في ترجمته بعد تسليمها للعميل؟
هنا يكون المترجم بين اختيارين:
- أن يصحح خطأه ثم يرسل الترجمة الصحيحة للعميل ويخبره بالسقطة التي حدثت منه وهذا ما تمليه عليه أمانته حتى لو قدح ذلك في دقته.
- أن يتجاهل الأمر كأن شيئا لم يكن حتى لا يقدح في مهاراته ودقة عمله.
والأصح والأصوب هو ما تمليه عليه الأمانة، فيجب على المترجم في هذه الحالة أن يتأكد أولا من أنه أخطأ وأن الخطأ جوهري يؤثر تأثيرا مباشرا في الترجمة. فإذا تأكد من ذلك، فيجب عليه أن يصحح ترجمته ويرسلها للعميل مرة أخرى مع توضيح ما حدث والاعتذار عن ذلك الخطأ حتى لو كان للأمر تبعات.
بين المترجم والعميل:
وقد يتساءل البعض، هل الأمر يستحق ذلك؟! فالأمر أبسط من ذلك. وهنا أريد منك عزيزي المترجم أن تتخيل نفسك مكان العميل، أو مكان صاحب الملف. فهذه الجملة التي سقطت منك أو هذا الخطأ في نقل المعنى الذي قد تظنه بسيطا، قد يؤثر تأثيرا كبيرا في حياة العميل أو المتلقي بشكل عام. تخيل التأثير المترتب على ترجمة جملة خاطئة في نشرة طبية مثلا لمريض وما قد يسببه ذلك من كوارث، أو خطأ في ترجمة قضية قانونية وما قد يسببه من ضياع حقوق، أو إغفال ترجمة جملة في ترجمة إسلامية أو كتاب عقيدة ومدى تأثيرها المباشر على فهم شخص ما للدين أو أداءه عبادة من العبادات المفروضة. فالأمر ليس هينا ولا بسيطا ويجب أخذه على مجمل الجد.
هل لاعتراف المترجم بخطأه تبعات؟
بالطبع هناك تبعات للأمر وهي ما تجعل المترجم مترددا عند اتخاذ القرار بشأن تصحيح الخطأ والاعتذار للعميل عنه. ومن هذه التبعات أن يقدح ذلك في دقته واحترافيته وسمعته كمترجم، وأن ينصرف العميل عنه حيث يفقد العميل ثقته فيه. وهذا قد يحدث فعلا هي تخوفات حقيقية وليست وهمية، ولكن غالبا بناء على عدة تجارب وخبرات في عالم المترجم فقد وجدنا أنه غالبا ما يحترم العميل شجاعة المترجم وأمانته ويتمسك به أكثر.
فالأمر كما لو أنك اشتريت بضاعة من متجر ما، ثم اكتشف المتجر حدوث خطأ ما في البضاعة، فأرسل لك سريعا يوضح لك الخطأ مع البضاعة المناسبة ومع اعتذار ملائم، فغالبا ستكون ردة فعلك احترام المتجر وأمانته خاصة لو كان هذا الخطأ طارئا وليس المعتاد منه.
على المترجم تحمل المسؤولية:
ولكن عليك أيضًا أن تضع ما تخاف منه في حسبانك، فقد تجد ردة فعل العميل غير متوقعة، حيث يتهمك بالإهمال وعدم الدقة خاصة لو كان استخدم هذه الترجمة بالفعل. وهنا تأتي سمة أخرى من أهم سمات المترجم الناجح وهي تحمل المسؤولية، حيث يجب عليك أن تتحمل مسؤولية عملك للنهاية. فحتى لو كان الخطأ غير مقصود، فهو يبقى في خانة الخطأ.
فيجب الاعتذار ومحاولة امتصاص غضب العميل وعدم المجادلة كثيرًا، وتذكر أنك قد فعلت الصوات وما يمليه عليك ضميرك حتى لو أفقدك ذلك بعض العمل، فالرزق أولا وأخيرا بيد الله سبحانه وتعالى، وأنت تعمل لتأخذ بالأسباب. فلا يدفعنك الخوف من هذا الاحتمال إلى تجاهل الأمر برمته وعدم تنبيه العميل إلى هذا الخطأ.
المراجعة أساس عمل المترجم:
وفي النهاية أود التنبيه على أن الخطأ وارد، فالترجمة عمل بشري، ولذلك لا يجب عليك أبدا تسليم الترجمة فور الانتهاء منها، حيث يجب مراجعة العمل قبل التسليم عدة مرات وفي أوقات مختلفة. فبعد الانتهاء من ترجمة الملف يجب عليك القيام والتحرك بعيدا عن جهازك، اذهب لترتاح قليلا أو لتناول الغداء أو لشرب كوب من القهوة، ثم عد إلى الملف مرة أخرى، وانظر فيه نظرة فاحصة وراجعه مراجعة دقيقة، وهذه هي المراجعة الأولى. ثم أغلقه وبعد فترة عد إليه مرة أخرى، وعاود قراءة الملف قراءة متأنية دقيقة، وهذه هي المراجعة الثانية.
ويجب أن تكون المراجعة في أوقات مختلفة إن اتسع الوقت، فالمراجعة الأولى مثلا تكون مساءا والمراجعة الثانية تكون صباحا قبل التسليم حيث تختلف حالة الذهن ويقظته من وقت لآخر. وصدقني في كل مرة من مرات المراجعة ستحد أخطاء جديدة، وستحدثك نفسك، كيف لم أنتبه لهذا الخطأ من قبل؟! وهذه هي فائدة المراجعة قبل تسليم العمل للعميل، حيث يمكنك التحسين والتعديل وتصحيح الأخطاء للوصول لأعلى جودة.